التطعيمات نهج اعتادته البحرين منذ عقود حرصت فيه على مواجهة الأمراض الوبائية وتقليل معدلات انتشارها واستئصالها بشكل شبه كلي
استخدام التطعيمات في البحرين يرجع إلى ما قبل أربعينيات القرن الماضي
الخطوات التي قامت بها البحرين في مواجهة فيروس كورونا تجسيدٌ حقيقي للجهد المتواصل القائم من أجل تعزيز صحة المجتمع وحماية أفراده
......
يومًا بعد يوم، تستمر جهود مملكة البحرين في مواجهة جائحة فيروس كورونا وتواصل تحقيق إنجازاتها المتتالية في هذا الشأن، والتي لم تشمل فقط توفير خدمات الفحص والرعاية والعلاج، وإنما الحرص أيضًا على توفير اللقاحات المضادة للفيروس إيمانًا منها بضرورة الحفاظ على صحة وسلامة موردها البشري باعتباره ثروتها الأهم، حيث جاءت توجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بإطلاق الحملة الوطنية للتطعيم تأكيدًا على ما تحظى به صحة وسلامة المواطنين والمقيمين في مملكة البحرين من أولوية قصوى في كل الظروف.
وأكد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، لدى ترؤسه اجتماع اللجنة التنسيقية، أن البحرين مستمرة في جهودها الرامية إلى التصدي لفيروس كورونا وفق توجيهات عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بتوفير اللقاح الآمن للفيروس وإتاحته مجانًا للجميع بما يعزز من خطط الأمن الصحي الاستباقي للمملكة، حيث ناقشت اللجنة التنسيقية يومها الخطط والاستعدادات الرامية لتوفير اللقاح من خلال الحملة الوطنية للتطعيم من خلال 27 مركزًا طبيًا بهدف تطعيم من يبلغون من العمر 18 عامًا وما فوق بطاقة استيعابية تصل لخمسة آلاف يوميًا والوصول إلى عشرة آلاف تطعيم يوميًا.
وتعد مملكة البحرين واحدة من أبرز الدول التي توفر تطعيمات أساسية لكل فئات المجتمع بهدف الوقاية من الأمراض المعدية، والحماية من الفيروسات الوبائية، وهو نهج اعتادته منذ عقود حرصت فيه على مواجهة الأمراض الوبائية بأنواعها، وتقليل معدلات انتشارها، واستئصالها بشكل شبه كلي نحو مجتمع ينعم جميع أفراده بالصحة والعافية.
ومنذ إقرار البرنامج الموسع للتطعيمات عام 1984، الذي استهدف وقتها 6 أمراض فقط، والبحرين تواصل تعزيز خططها الوقائية حتى بلغ برنامج التطعيمات اليوم نحو 19 مرضًا تشمل ضمن ما تشمل الحصبة والنكاف أو ما يعرف بأبو كعب والتهاب الكبد بأنواعه والروتا المعروف بالفيروس العجلي والشاهوق أو السعال الديكي والكزاز التيتانوس والخُناق أو الدفيتريا وغيرها من أمراض قضت عليها التطعيمات المُقدمة.
ويعد نجاح البحرين في القضاء على بعض الأمراض الوبائية والمستوطنة دليلا آخر على جاهزيتها ونجاحها في مواجهة مثل تلك الأمراض، إذ تصل معدلات التغطية باللقاحات 100 %، وهو ما يمكن إبرازه بالنظر إلى مؤشرين، الأول: اختفاء كثير من الأمراض الوبائية إلى حد كبير، حيث نجحت التطعيمات المستخدمة في تقليل معدلات انتشار الأمراض، واستئصالها بشكل شبه كلي. والمؤشر الثاني تعزيز وتقوية أجهزة المناعة لدى المواطنين وزيادة مقاومتها للفيروسات، وهو ما تأكد مع إعلان البحرين عام 2016 خلوها من شلل الأطفال، الذي لم تظهر له أي حالات منذ 23 عاما سابقة، وتحديدا منذ العام 1993، ووصلت معدلات تغطية لقاح هذا المرض وقتها لأكثر من 95 % من مجموع السكان.
وقد اتبعت الجهات المعنية منذ ثمانينيات القرن الماضي نظما محددة لحملات التثقيف والمعلومات الصحية، وهو ما أسهم في إنجاح وتحديث خطط التأهب والاستجابة، إذ تمكنت برامج الترصد الوبائية الدقيقة والمنفذة من الكشف عن أية حالة وبائية مشتبه بها سريعا.
كما أن كفاءة منظومة إجراء الفحوصات المختبرية والتقيد بالاشتراطات الصحية المعمول بها دوليا كتلك الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، لها الدور الأكبر في متابعة ورصد حالات انتقال العدوى وسبل استئصال الأمراض الوبائية بالبلاد.
المعروف هنا أن استخدام التطعيمات في البحرين يرجع إلى ما قبل أربعينيات القرن الماضي، ويعود النجاح في اختفاء كثير من الأمراض بالبلاد إلى استخدام مثل هذه العلاجات القديمة، التي تطورت خلال السنوات اللاحقة، وذلك بالإشارة إلى ما مر بالبلاد في بدايات القرن العشرين خلال "سنوات الرحمة" أعوام 1903 و1907 و1924 و1929 ومطلع الستينيات، التي شهدت عدة أمراض وقفت أمامها البحرين بكل قوة، واستطاعت التصدي لتداعياتها.
وتوصف هذه الفترة باعتبارها البداية الحقيقية للنظام الطبي الحديث في البلاد، خاصة أنها شهدت جملة من الخطوات باتت عنوانا لمسيرتها الصحية، وجهودها الدؤوبة في تطوير آليات ومنظومة مواجهة الوبائيات، ومن ذلك: التداوي بكل الطرق المتاحة ومن ثم توفير اللقاحات والتطعيمات المناسبة، وكذلك السبق في العمل بنظم الحجر الصحي بعد إنشاء أولى المحاجر الصحية للمرضى، التي عُرفت وقتها بـ "كرنتينه" أو "الكرنتيلا" في جزيرتي حالة بو ماهر وأم الشجر بالمحرق.
ولا شك أن قِدَم تاريخ مهنة ممارسة الطب بالبلاد، الذي يعود إلى العام 1892، ساهم هو الآخر في التصدي لخطر الأمراض الوبائية التي انتقلت إلى البلاد في مراحل تاريخية سابقة، حيث يشار إلى الدور الذي قامت به مشافىي فكتوريا 1901 والإرسالية 1902.
وتلا ذلك انطلاق إنشاء العيادات الطبية في شتى أنحاء البلاد كعيادة المحرق عام 1925، والنعيم في عام 1930، وبلاد القديم في عام 1936، ما اُعتبر برهانا على جهد الدولة المؤسسي في بناء المرافق الصحية ووعي المجتمع وثقة أفراده بالخدمات الوقائية المقدمة بالبحرين آنذاك.
وتكشف هذه السنوات التي اجتاحت فيها بعض الأمراض الوبائية أرض البحرين عن عدة حقائق، منها: زيادة القدرة المؤسسية لأجهزة الدولة التي كانت تتطور شيئا فشيئا لمواجهة الوبائيات، خاصة مع استنفار العيادات الصحية رغم محدوديتها آنذاك، والالتزام بمقومات الحجر الصحي للمعزولين والمصابين، وتتبع الوافدين عبر سفن وموانئ السفر، واللجوء للتطعيمات المتوفرة.
وكان من بين أبرز نتائج هذه الفترة التي هب فيها الجميع لمساعدة بعضهم البعض وتقديم يد العون للمحتاجين من المرضى وذويهم، زيادة وعي المواطنين في مواجهة انتشار هذه الأمراض، وتعلمهم خطورة انتقال الأمراض، وسبل القضاء عليها، وكيفية التعامل مع المسافرين، وطرق الحد من العدوى كوقف التنقلات والبقاء بالبيوت وتنظيم الأسواق ومنع التجمعات بها ورش الشوارع والساحات بالمبيدات بالإشارة إلى سيارة "أم فليت".
ولا يخفى هنا أنه بالتزامن مع هذه الحقبة، كانت دائرة الصحة من أهم إدارات بلدية المنامة التي أُنشئت عام 1919، وتجدد دورها مع القانون العام للبلدية الصادر عام 1921، حيث نصت إحدى مواد هذا القانون على ضرورة "التبليغ الفوري بالأمراض المعدية". وقد اتسعت مهام هذه الإدارة عام 1952، حيث تولت وقتها مسؤوليات التفتيش الصحي على البواخر وإصدار الشهادات الصحية والتطعيم ضد الجدري وغيرها من مهام ومسؤوليات وقائية.
وتتولى حاليا هذه الإدارة بوزارة الصحة تقديم الخدمات الوقائية الصحية والبيئية ومكافحة الأوبئة، حيث يناط بها مهمة مراقبة الأمراض المعدية وغير المعدية والحد منها، والتثقيف الصحي، ومكافحة الأوبئة والتحصين الموسع وغيرها.
إن سلسلة الخطوات التي قامت بها المملكة خلال الأشهر القليلة الماضية في مواجهة فيروس كورونا تعد تجسيدا حقيقيا للجهد المتواصل الذي تقوم به منذ عقود من أجل تعزيز صحة المجتمع وحماية أفراده وسلامتهم من أي أمراض وبائية.